By محمود عزَّاز
منذ شهرين بدأ نمط الحياة يتغير بشكل كبير بعد اِنتشار جائحة فيروس كورونا في كافة أنحاء العالم. أضحت قوانين التباعُد الاجتماعي هي العامل الذي على أساسه ننظم حياتنا. التعليم، كَغيره من أنماط الحياة، شهد هو الآخر تغيرات كبرى لعلّ أهمها تحوله إلى المنظومة الإلكترونية. أصدرت المؤسسات التعليمية والتربوية والأكاديمية على اختلاف أنواعها في كافة أنحاء العالم قرارت بتحويل العملية التعليمية من نظام التعليم التقليدي (وجها لوجه) إلى نظام التعليم عن بُعد باستخدام الوسائل التعليمية الالكترونية. وبعد انتهاء العام الدراسي الماضي ٢٠١٩-٢٠٢٠ نرى أنّ العديد من هذه المؤسسات التعليمية ترتئي الاستمرار بتبني نظام التعليم الإلكتروني للعام الدراسي الحالي ٢٠٢٠-٢٠٢١. الفرق الأكبر بين الحالين هو أنّ نظام التعليم الإلكتروني كان قد تم تبنيه كإجراء طارئ لإكمال ما تبقى من العام الدراسي الماضي. أما الآن فقد تحوّل نظام التعليم الإلكتروني إلى النظام الرئيسي الذي على أساسه تم بناء وتأسيس العام الدراسي الحالي بأكمله. وبناء على ذلك ازدادت الجهود الرامية إلى تدريب وإعداد الأساتذة والتربويين بغرض منحهم أفضل الأدوات وتسليحهم بأحسن السُبل إعدادا لهم لاستقبال العام الدراسي ليُصمموا مناهجه على أتم وجه. هذه ولا شك مسئولية كبيرة رمتْ بها الظروف على كاهل الأساتذة والأستاذات في كل مكان، لا مفر من وجودها من أنْ يساور بعضهم شيء من القلق والتوتر إزاء هذا العالم الجديد ومستقبله الغامض نوعا ما.
في هذا المقال سأحاول أنْ أجمِّع النصائح التي وردت في عدد من الجلسات التدريبية التي عقدها عدد من المؤسسات والمنظمات التعليمية والتي تهدف إلى مساعدة أساتذة وأستاذات اللغات في الاِستعداد للعام الدراسي الجديد بشكل فعال خالٍ من القلق والتوتر. سأدرج في نهاية المقال بعض الروابط إلى بعض من هذه الجلسات المُسجلة والمتوفرة مجاناً لمشاهدتها والاستفادة منها.
الخطوة الأولى: اِبحث عمّا يميزك
تكادُ تأكد كافة الندوات والمحاضرات التدريبية التي عُقدتْ مُنذ أنْ بدأت هذه الجائحة على أنّ التعليم هو التعليم وإنْ تغيرت سُبله. إلى جانب ذلك، ينصح الخُبراء بأنْ يتفكر الأساتذة والأستاذات قليلا وقبيل أنْ يبدأوا اِستعداداتهم للعام الدراسي الجديد محاولين أنْ يجيبوا عن السؤال التالي: ما الذي يميز الأسلوب الذي أتبعهُ عند التدريس والذي يلاقي اِستحسانا كبيرا لدى المتعلمين؟ يشدد الخبراء على أنّ الإجابة عن هذا السؤال مهمة من جوانب ثلاث:
الجانب الأول: أسلوب التعليم الذي كان يلاقي اِستحسانا المتعلمين عند فترة التدريس وجها لوجه لا شك سيلاقي استحسان المتعلمين أنفسهم لو تمّ نقلهُ عند التعليم عن بُعد، لاسيما أنّهم باتوا يتوقعونه من أستاذهم أو أستاذتهم. وبنقله نكون على أقلّ تقدير قد حافظنا على أحد عوامل نجاحنا في التعليم.
الجانب الثاني: عندما يعيش المتعلمون ذات الأسلوب التعليمي الناجح المحبوب الذي كانوا قد تعودوا عليه أثناء فترة التعليم التقليدي (وجها لوجه) فإنّ تلك التجربة ستعزز ثقتهم بفاعلية العملية التعليمية وتخلق شعورا عاما بالهدوء والراحة تنعكس تبعاته على كافة المشاركين في العملية التعليمية من متعلمين وأساتذة.
الجانب الثالث: متى ما أدركنا الجوانب التي عملتْ على تكوين أسلوبنا التعليمي الناجح المحبوب فإنّ نقلهُ من واقع التعليم التقليدي (وجها لوجه) إلى واقع التعليم الإلكتروني لن يكون أمرا عسيرا خاصة مع ثبات المصدر (الأستاذ أو الأستاذة المعنيين).
الخطوة الثانية: تمسك بما هو أساسي وأزِل ما دون ذلك
أسلوب التعليم التقليدي (وجها لوجه) يتيح تواصلا سهلا سلسا مُباشرا خال في مجمله من الانقطاعات أثناء الحصة الدراسية. هذه السلاسة المتواصلة تُيسر حرية تبادلية أثناء الحوار والتحاور بين الأساتذة والمتعلمين داخل الفصل. وهذه الحرية بدورها تخلق نمطا تواصليا فيه الكثير من التكيُّف والتأقلم أثناء حصة الدرس وخارج نطاقها. هذا النوع من الحوار لن يكون متوفرا بذات المستوى السلس المباشر عندما يتم نقل العملية التعليمية إلى النطاق الإلكتروني سواء تمّ التدريس بأسلوب الجلسات المُتزامنة أم بدونها. بإدراك ذلك يجب على الاساتذة والأستاذات أنْ يعمدوا إلى تحديد الأهداف الأساسية الضرورية المُرام الوصول إليها بانتهاء الفصل أو العام الدراسي ومِن ثمّ اعتمادها أساسا، مُضافا إلى ذلك اِزالة كل ما دون ذلك. هكذا يوفر الاساتذة والأستاذات على أنفسهم عناء بذل جهودهم فيما لا يخدم العملية التعليمية والتوتر الذي قد ينجم عن ذلك.
الخطوة الثالثة: اِستنزف الأدوات التعليمية الالكترونية التي بحوزتك
مُذ بدأت المؤسسات التعليمية باِتخاذ إجراءاتها في تغيير العملية التعليمية تماشيا مع ظروف جائحة الفيروس في شهر مارس من عام ٢٠٢٠ عمد الكثير من صُنّاع الأدوات التعليمية الالكترونية والمسؤولون عنها إلى إغراق السوق – إن جاز التعبير – بعروض مجانية لمنتجاتهم مقرونة بفترة زمنية محدودة. أضف إلى ذلك الكم الهائل من الجلسات والندوات التدريبية التي دأب الأساتذة والأستاذات على حضورها والتي لابُد وأنّ يتم خلالها ذكر أداة تعليمية إلكترونية ما، تقدم تسهيلا ً من نوع ما. هذا التعرّض المفرط لهذا الكم الهائل من الأدوات التعليمية الالكترونية قد يؤدي إلى أنْ يستنتج الأساتذة والاستاذات خطئا بأنّ عليهم تعلّم واِتقان واِستخدام بعض من هذه الأدوات واِدراجها ضمن إطار تعليمهم من الآن فصاعدا. والحق أنّ الأجدى بهم أنْ يركزوا على الأدوات التعليمية الالكترونية التي يعرفونها سلفا ويستخدمونها مُسبقا ومن ثمّ اِستنزاف قدراتها بشكل كامل قبل التفكير في تعلّم طريقة عمل أداة جديدة والتوتر الذي قد يصاحب اِدراجها في العملية التعليمية.
الخطوة الرابعة: فكّر في تبني تصميم عكسي
يٌعرّف التصميم العكسي في مجال التعليم بأنّه أسلوب في تصميم المناهج التعليمية يعتمد على تحديد الأهداف قبل اِختيار طريقة التدريس أو النظام الذي تتبعه أو الأدوات المُستخدمة فيه أو سُبل التقييم والاختبار. وبذلك يحدد الاساتذة الأهداف المُبتغاة من العملية التعليمية أولا، ومن ثمة يقومون باختيار الأداة المناسبة لها. دمجُ الخطوتين الثالثة والرابعة أعلاه مع أسلوب التصميم العكسي للمنهاج التدريسي أشبه ما يكون بمَن أنار طريقا قبل أنْ يسلكها ضامنا بذلك مسيرة مضاءة خالية من أشباح القلق والتوتر التي قد تظهر لمن يحاول قطع درب أظلم أعتم.
الخطوة الخامسة: كُن فطناً لا مُتسرعا
سبق وأنْ نوّهنا إلى الكم الهائل من جلسات وندوات التدريب التي باتت مُتاحة لكافة الأساتذة والأستاذات منذ بداية الأزمة. عند حضور هذه الندوات والجلسات لابُد أنْ يتعامل الحضور معها بفطنة، إذ عليهم تذّكُر أنّ هذا النوع من الوسائل التدريبية قد اُعدتْ بشكل شمولي عام يعمد إلى درج أكبر كم من المعلومات الأساسية الإثرائية التي قد لا يكون كل الحضور بحاجة إليها. وعليه، ليس من الحكمة التسرُّع في اِعتبار كافة المعلومات الواردة في هذا النوع من مجالات التدريب هاما لا غنا عنه. لضمان الحصول على أفضل النتائج من حضور هذه الندوات على الأساتذة والأستاذات، يجب اتباع التالي:
أولا: اِنتقاء ما يناسبهم وما هم بحاجة اليه.
ثانيا: الاِستماع الى مجريات الحديث بهدف الاِجابة عن الاسئلة التالية:
(١) ما هي المعلومات الثلاث الجديدة التي تعلّمتها من الاِستماع إلى الندوة؟
(٢) كيف يمكنني الحصول على قائمة المصادر والمراجع التي وردت في هذه الجلسة بعد نهايتها (ما يتيح لي تفحصها بشكل أدق مُنفردا)؟
(٣) من هو الشخص الذي يمكنني طلب مساعدته إن احتجت المزيد من المساعدة في فهم محتوى أو تعلم تطبيق ما قد تعلمته؟
الخطوة السادسة: اِعمل على بناء علاقة اُسرية داخل الصف
لا شك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة أنّكم قد تنبهتم إلى إنّ الخطوات الخمس الأولى تعمل على مساعدتنا على تقليل القلق والتوتر أثناء فترة استعدادنا للعام الدراسي الجديد والاِعداد له. لكنّ الخطوة السادسة والاخيرة تبدو غير ذلك تماما إذ تدعو إلى بناء علاقة اُسرية داخل الصف. والطريف في الأمر أنّ خلق هذا الشعور الاُسري غالبا ما يُنصح به كطريقة لتوفير الطمأنينة للمتعلمين أنفسهم فيزول التهيب من الأساتذة والاستاذات أو الحرج أمام الزملاء أو الخوف من الفشل. والحق أنّ هذه العلاقة الاُسرية الدافئة إنْ تم تأسيسها بنجاح فإنّها ستأتي اُكُلها بالفائدة للأساتذة أيضاً لما ستوفره من بيئة آمنة مُستقرة أنيسة يمكن معها تلافي الأخطاء التي قد تحصل وتصحيح مسار العملية التعليمية حتى بعد كل الجهد الذي بُذل في التهيئة لها. هناك العديد من الطرق التي ينصح بها الخٌبراء للمساعدة في بناء جوٍّ اُسري داخل الصف، لعلّ أهمها الاستماع إلى أراء الطلاب ومقترحاتهم، والعمل على تبنيها ودمجها في العملية التعليمية. من الطرق الاُخرى اِشراك الطلبة في أنشطة ذات طابع مرِح وإن لم يكن التعلّم الهدف الأكبر منها، أو الطلب منهم تقديم الشكر لبعضهم البعض علنا على ما قدموه من مساعدة أو تعاون.
قد لا تكون هذه الخطوات الست الواردة أعلاه قد استنفذت كل ما بوسعنا فعله لخلق مسيرة استعدادية سهلة يسيرة. إن كُنّا قد غفلنا عن بعض منها فنرجو منكم إضافته في صندوق التعليقات أدناه. فيما يلي مجموعة من المصادر التي توفر تسجيلات لجلسات تدريبية قّدمتْ بهدف مساعدة الأساتذة والأستاذات للاستعداد للعام الدراسي الجديد المتضمن تعليم اللغات الكترونيا عن بُعد:
(١) موقع المجلس الأمريكي لتدريس اللغات الأجنبية: الرابط متوفر هنا: https://www.youtube.com/channel/UCiBeZAsXz-RvyL67GJzzlRw
(٢) موقع مجلة تدريس اللغات الأجنبية: الرابط متوفر هنا: https://www.youtube.com/channel/UC-M6tQYs2OVVJSArD9psL9Q/featured
(٣) موقع المركز الوطني لمصادر تدريس اللغات: الرابط متوفر هنا:https://www.youtube.com/channel/UCDgokjVhUPtkyCzSio2UBFg
سراب العاني:
تعمل محاضر في جامعة ييل Yale University في الولايات المتحدة الأمريكية. عضو في مجلس دراسات الشرق الأوسط في ذات الجامعة ومديرة سابقة لشؤون الطلبة فيه. كاتبة ومؤلفة في مجال تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها. مشرفة اختبارات ومقيّمة معتمدة لدى المجلس الأمريكي لتدريس اللغات الأجنبية ACTFL لكلٍ من اختبار OPI وكذلك اختبار AAPLL. واحدة من الأعضاء القياديين في مجلس مدرسي اللغة العربية في نيويورك. مُدوِّنة في الصفحة الرسمية لمركز دراسات اللغات في جامعة ييآل Yale University.